الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الأكارم؛ مع درس من دروس مدارج السالكين، ومنزلة اليوم منزلة اليقين، لأنَّ بعضهم أيقن فتحرك واستقام، وأعطى ومنع وبذل، وبعضهم كانَ شاكاً ومُتردداً فأحجم، فإذا أردتَ أن تُفسّر الإحجام والإقدام، الاستقامة وعدمها، التضحية والحِرص، لا يُفسّر هذا إلا باليقين، وإذا ذهبتَ في حياتكَ اليومية، وراقبتَ نفسك، الأشياء التي توقِنُ بها تنطلقُ إليها، والأشياء التي أنتَ شاكٌ فيها تُحجمُ عنها، إذاً العامل الأساسي الذي يدفعُكَ إلى الحركة هو اليقين، ورد في الأثر: تباركَ الذي قسمَ العقلَ بين عبادِهِ أشتاتاً، إنَّ الرجلين ليستوي عملهُما وبِرهُما، وصومُهُما وصلاتُهما، ويختلفانِ في العقلِ كالذرّةِ جنبَ أُحد، وما قسَمَ الله لِعبادهِ نصيباً أوفرَ من العقلِ واليقين.
الموقن يدفعُ زكاةَ مالهِ، الموقن يفني شبابهُ في طاعة الله، الموقن يُقضّي عُمُرهُ في معرفة الله، أما غير الموقن تراهُ مُحجماُ متردداً متريثاً مترقّباً، أي في حيرةٍ، في ضياع.
القصة التي مرت بِنا من قبل شهيرة، أحد أصحاب رسول الله عليهم رضوان الله ما بلغَ مرتبة اليقين، أصابتهُ نكسة، فعِندهُ طفلٌ صغير ربيبهُ، أي ابن زوجتهِ، وقد أغدقَ عليه من النعم، ومن الرعاية والرحمة ما لا سبيلَ إلى وصفه، دعا النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه إلى تهيئةِ أنفسهم لمعركة مؤتة، رآهُ مُحجِماً قاعداً متريثاً منتظراً لا يتحرك، بينما أصحاب النبي عليهم رضوان الله تحركوا وبذلوا وجهّزوا واستعدوا، هو جالس، فكانَ هذا الطفل الصغير لشدة توقّد الإيمان في قلبهِ، يُبلّغُ عمهُ زوجَ أمهِ أن يا عماه فُلان فعلَ كذا، فُلان فعلَ كذا، فلما ضاقَ به ذرعاً قال له: يا جُلاس، لو كانَ محمدٌ صادقاً لكُنا شراً من الحُمر، هذه كلمة الكُفر، متردد، ليسَ واثقاً، ليسَ متيقناً، والحقيقة إذا الإنسان تردد وقع في مشكلة كبيرة، فهذا الطفلُ الصغير قالَ: واللهِ يا عماه ما على وجهِ الأرضِ بعدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ أحبَّ إليَّ منك، ولكنكَ نطقتَ بكلمة الكُفر، ولأُبلّغنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.
ما أراد أن يُبلّغ النبي من وراء ظهرهِ، واضح، هذه كلمة الكُفر، ويجب أن يعلم النبي عليه الصلاة والسلام ماذا تقول، أي أنت معدود مع أصحابه، كيفَ تقول لو أنَّ محمداً صادقٌ فيما يقول لكُنا شراً من الحُمر، أي لو أنه صادق في دعواه أنه نبي، ولم نستجب له، لكُنا شراً من الحُمر، فذهبَ هذا الطفلُ الصغير إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقالَ: يا رسول الله، تكلّمَ عمي: كيتَ وكيت، استدعاهُ النبي عليه الصلاة والسلام، وسألهُ عن قولتهُ هذه فأنكرها، قالَ: هذا كذّاب يا رسول الله، هذا أنا أحسنتُ إليه، وأنعمتُ عليه، وأغدقتُ عليه، وهو يفعلُ هذا بحقّي، وأصحابُ النبي عليهم رضوانُ الله مالوا إلى تصديق عمّهِ وتكذيب الغُلام، نظرَ إليه النبي عليه الصلاة والسلام فإذا وجهه قد اصطبغَ وجهه بالحُمرة خجلاً من هذا الموقف العصيب، ولم يلبث أن تنزّلَّ الوحيُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أكّدَ الوحيُّ قولة الصغير، قالَ تعالى:
﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)﴾
عندئذٍ كبّرَ النبي عليه الصلاة والسلام، وأمسكَ الغلامَ من أُذنهِ وقالَ: يا غلام صَدّقكَ ربُك، عندئذٍ اعترف عمهُ بما قال، وقال: يا رسول الله! اغفر لي هذه الزلّة، وتابَ توبةً نصوحة، وكانَ من أشدِّ الناسِ إكراماً لهذا الغُلام، لأنَّ توبتهُ كانت على يده، ولو أنَّ هذا الغلام سكت لبقي منافقاً، كانت توبة العم على يدِ هذا الغُلام.
إذاً ما الذي جعلهُ يُحجم؟ عدم اليقين، ما الذي جعله يتردد؟ عدم اليقين، ما الذي جعله يبخل؟ عدم اليقين، وإذا أردتَ أن تُفسّرَ التقصير، والإحجام، والميل إلى الدنيا، وعدم وجود الهِمة العالية فينبغي أن تُفسّرَ كلَّ ذلك بضعفِ اليقين.
﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)﴾
﴿لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾ لو بلغَ اعتقاد الإنسان مرتبة اليقين لباعَ نفسهُ للهِ عزّ وجل، إذاً أيُّ إحجامٍ، أيُّ تقصيرٍ، أيُّ تقليلٍ من شأنِ الإيمان، يعود بالدرجة الأولى إلى ضعف اليقين، ربُنا عزّ وجل ما أرادَ منك أن تؤمنَ متردداً، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)﴾
الله عزّ وجل ما رضيَّ لكَ أن تؤمنَ شاكاً: ﴿كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ*لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ﴾ الله عزّ وجل ما أمركَ أن تؤمن وأعطاكَ الأدلة الضعيفة، قالَ تعالى:
﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)﴾
هذا الموضوع دقيق جداً، حتى في حركاتكَ اليومية، لن تتحرك إلا إذا أيقنت، لن تُحجم عن شيءٍ يَضُرك إلا إذا أيقنتَ بضرره، لا تمتنع عن تصرفٍ إلا إذا أيقنت بخطورته، لا تُقدمُ على شراءِ شيء إلا إذا أيقنتَ بالربح، أبداً، اليقين هو المُحرّك، وما لم توقن تبقى في شكٍ، وترددٍ، ووهمٍ، وإقدامٍ، وإحجامٍ، وتريثٍ، وتفرجٍ، أما حتى تنتقل إلى مرتبة العمل لابدَّ من اليقين، وأبوابُ اليقين مُفتحةٌ على مصارعها في الدنيا، ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ﴾ أي في الإيمان أدلّة ليست مُقنعةً فحسب، بل هي قاطِعةٌ.
الله عزّ وجل خصَّ أهلَ اليقين بالهدى والفلاح، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)﴾
لأنهم أيقنوا ﴿أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ .
أمّا أهل النار:
﴿ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)﴾
لسنا متأكدين، أبداً، الأمر واضح جداً، الإحجام، النفاق، الضعف، البُخل، عدم دفع المال، عدم بذل الوقت في سبيل الله، عدم التعرّف إلى الله، عدم تلاوة القرآن، تغليبُ الدنيا على الآخرة، الوقوع في الشبُهات، التقصير في الواجبات، كلُّ هذه الأمراض هي أعراضُ لمرض واحد هو ضعفُ اليقين.
علامات آخر الزمان:
من علامات آخر الزمان أن يفشوَ ضعفُ اليقين في الناس، تجد المساجد ممتلئة، لو دخلتَ إلى بيوت هؤلاء أجهزة اللهو، لو دخلتَ إلى متاجرهم التعامل ربوي، لو دخلتَ معهم في لقاءاتهم اختلاط، اختلاط في العلاقات الاجتماعية، وتقصير في الواجبات الدينية، وتسيّب في الانضباط الشخصي، ما سِرُّ ذلك؟ هو ضعفُ اليقين.
أُعيدُ مرةً ثانية وثالثة ورابعة: إذا أيقنت أنكَ إذا فعلتَ هذا الأمر لا تنجو من عذابٍ أليم في الدنيا، لا تنجو من عشرين عاماً في السجن تُقضّيها، لا أقول: أغلب الظن، قطعاً تُحجم عن اقتراف هذه المُخالفة.
الذي أتمناه على كلِّ أخٍ كريم أن ينقلَ معرفتهُ باللهِ عزّ وجل من مستوى الاعتقاد غير الجازم إلى مستوى الاعتقاد الجازم، مثلاً الإنسان أحياناً يُقصّر، إذا قصّر يأتي العِلاج الإلهي مرة، اثنتين، وثلاث، ألا ينبغي أن تستنبط أنَّ لكلِّ سيئةٍ عِقاباً؟ وأنكَ لا تنجو من عذاب الله إلا إذا استقمتَ على أمره؟ وأنَّ هذا الضعف في اليقين هو سبب هذا التردي من مشكلة إلى مشكلة؟ لذلك العلماء قالوا: اليقين روحُ أعمال القلوب التي هي أرواح أعمال الجوارح، روحُ أعمال القلوب التي هي أرواح أعمال الجوارح، وهيَّ حقيقة الصديقيّة، كلما قال النبي شيئاً يقول له الصدّيق: صدقت يا رسول الله، صدقت، صدقت، أي بلغتَ حدَّ اليقين.
إنسان عادي قد لا يُبالغ في غسل الخُضار، أما إذا كان هناك جائحة، هناك وباء، ادخل إلى بيت الطبيب، لأنهُ يُعالج باليوم آلاف الحالات، آلاف الإسهالات، آلاف الإنتانات، آلاف الأمراض، كُلُها بسبب التلوث من الخضار، انظر إلى الطبيب حيثُ يأمر أهله أن تغسلَ الخضار بالمواد المٌعقّمة يوميّاً، لماذا؟ بلغَ عِلمهُ حدَّ اليقين، أما عامة الناس ربما لا يبلغُ علمهم حدَّ اليقين، تراهم يترددون.
من ضعف اليقين إرضاء الناس بسخط الله:
قيل: لا تُرضِينّ أحداً بسخط الله، ولا تحمدنّ أحداً على فضل الله، ولا تذمنّ أحداً على ما لم يؤتك الله، فإن رزق الله لا يسوقه حرص حريص، ولا يرده عنك كراهية كاره، وإن الله بقسطه وعدله جعل الروح والفرح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن في السخط والشك.
في رواية أخرى: إنه من ضعف اليقين أن تُرضي الناسَ بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تَذمهم على ما لم يُؤتكَ الله، إنهُ من ضعف اليقين، أي إذا لم توقن أنَّ هذه النعمة من الله عزّ وجل، إذا جاءتكَ من إنسان، انكببتَ عليه مادِحاً وشاكراً ومُثنيّاً، ولم تتيقن أنها من عِند الله عزّ وجل، لذلكَ وقعتَ في الشرك وأنتَ لا تدري، إنهُ من ضعف اليقين أن تُرضي الناس بسخط الله، معنى ذلك أي إنسان إذا استجاب لإنسان على حساب طاعتهِ لِربه، إذا جامَلَ زوجتهُ وسايرها في أمرٍ لا يُرضي الله، يجب أن يمتحن نفسهُ، يجب أن يوقن أنه غيرُ موقن، يجب أن يعلم أنهُ لا يعلم، يجب أن يتأكد أنهُ في شكٍ من أمرِ دينه، لأنه حينما تُرضي مخلوقاً وتعصي خالِقاً أنتَ لستَ متأكداً من غضبِ الخالق، لستَ متأكداً من أنَّ هذا يُسخُطه، لستَ متأكداً من أنَّ هذا لا يُرضيه، لذلك فعلته، وهنا لا تُرضينَّ أحداً بسخطِ الله، ولا تحمدنَّ أحداً على فضل الله، ولا تذمنَّ أحداً على ما لم يؤتِكَ الله، فإنَّ رِزقَ الله عزّ وجل لا يسوقه إليكَ حِرصُ حريص، ولا يردّهُ عنكَ كراهية كاره، وإنَّ الله بعدلهِ وقسطه جعلَ الروحَ والفرح في الرِضا واليقين، وجعلَ الهمَّ والحُزن في الشكِ والسخط.
كنتُ مرة أضرب لكم بعض الأمثلة، أُعيد هذا المثل مرات عديدة، لأنه مناسب جداً في هذا الوقت، إذا شخص فقير جداً، عِندهُ ثمانية أولاد، دخلهُ قليل جداً، حياتهُ خشنة جداً، دخلهُ أقل من مصروفه، أي يُعاني من أزمات لا تُحصى، لهُ عم يملك ثلاثمئة مليون، وليسَ له أولاد، وتوفي في حادث، كلُّ هذه الثروة آلت إليه قطعاً، قطعاً هو الوريث الوحيد، لكن إلى أن يصلَ هذا المبلغ إلى يديه هُناك إجراءات وتعقيدات وروتين وبراءات ذمة ومطالعة معاملات وقاضي شرع وما إلى ذلك، لماذا هذا الإنسان خلال هذه الفترة التي لم يقبض دِرهماً واحداً هو من أسعد الناس؟ لماذا؟ لأنهُ موقنٌ بأنه سيصير غنيّاً، فيمضي هذه الفترة يقول: هذه الفيلا سأشتريها، جيدة، وهذه المركبة سأقتنيها، وهذا الطعام سآكلهُ، وهذا اللِباس سأرتديه، دخل باليقين، أيقنَ بأنه سيكونُ غنيّاً، لأن عمه هو وريثه الوحيد ويملك ثلاثمئة مليون، توفي بحادث، كل هذه الثروة آلت إليه، من فقر مُدقع إلى غِنىً جيد، هذا مثل طبعاً مُركّب تركيباً، لم يقع هذا الشيء، لكن هذا التركيب من أجل أن نكشف كيف أن الإنسان يسعد لو أيقن، أي أنت إذا أيقنت أنَّ الله عزّ وجل يُحبك وراضٍ عنك، وأنكَ إذا انتقلتَ إلى الدار الآخرة أغلبُ الظن أنَّ الله سيرحمك، وأنَّ لكَ في الجنةِ مكاناً مثلاً، هذا اليقين يجعلُكَ تمتصُ كلَّ المصائب، وكلَّ المتاعب، وكلَّ الهموم، وتعيشُ في هذا الوعد الرباني العظيم:
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾
﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60)﴾
هكذا إذا الإنسان فرح في الدنيا ما الدليل؟ يقينهُ في الآخرة ضعيف، لِضعفِ يقينهِ بالآخرة فَرِحَ بالدنيا، أما لو عَرَفَ الدنيا على حقيقتها ما فَرِحَ بها، إنَّ هذه الدنيا دار التواء لا دارُ استواء، ومنزلُ ترحٍ لا منزلُ فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء، قد جعلها اللهُ دارَ بلوى وجعلَ الآخرة دارَ عُقبى، فجعلَ بلاءَ الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعلَ عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عِوضاً، فيأخذ ليُعطي ويبتلي ليُجزي.
لو فرضنا تلّة، عليها قصر فخم جداً، وإنسان يسير على قدميه، والطريق وعرة، ليتملّك هذا القصر، وإنسان يركب أفخر مركبة، وهو سينتهي به المطاف إلى أن يُعدم، في الظاهر هذا يركب مركبة فخمة جداً، لكن مصيرهُ معروف، وهذا الذي يمشي على قدميه، ويبذل جهداً كبيراً، سيكون نزيلاً لهذا البيت الفخم مثلاً وسيتملّكهُ، لو التقيا في الطريق، أيقول هذا الذي يركبُ المركبة الفخمة لهذا الفقير: ما أسوأ حظك؟ أيقول هذا الفقير لهذا الذي يركب هذه المركبة: هنيئاً لكَ على هذه المركبة؟ لا، لكن لِجهلِ كُل منهما بمصيرهِ يتمنى هذا أن يكونَ مكانَ هذا، وهذا يزدري هذا، بسببِ جهلِ كُلٍ منهما بمصيرهِ، أما المؤمن قولاً واحداً لا يتمنى أن يكون مكانَ أهلِ المعصية، ولو كانوا في أعلى درجات النعيم والرفاه والغِنى والقوة.
اليأس والقنوط والكآبة والسوداوية أخطر أمراض النفس:
آية ثانية يقول الله عزّ وجل:
﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)﴾
﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ﴾ الحق هو اليقين، قال تعالى:
﴿ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47)﴾
﴿حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ الموت يقين والحق يقين، إذاً الإنسان لماذا لا يتوكل؟ الآن الإنسان يمرض أحياناً مرضاً عضالاً، لماذا ييأس؟ لأنه ليسَ موقناً أنَّ الله قادرٌ على شِفائه، من ضعف يقين، لو أيقنَ أنَّ الله يشفيه، مهما يكن مرضهُ عُضالاً لَمَا أصابه اليأس أبداً، الفقير لماذا ييأس؟ لأنَ يقينهُ بأنَّ الله بقدرته أن يُغنيه ضعيف اليقين، لو أيقنَ لَمَا يئس، أخطر أمراض النفس اليأس، والقنوط، والكآبة، والسوداوية، قرأتُ كلمةً أعجبتني: يا رب لا كربَ وأنتَ الرب، لا يوجد كرب، مع وجود الرب لا يوجد كرب، لأن كل شيء بيده، وأنتَ عبدهُ، وباب التوبة مفتوح، باب العطاء مفتوح، إذاً: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ .
قال العلماء: إذا وصلَ اليقين إلى القلب امتلأَ نوراً وإشراقاً، وانتفى عنهُ كلُّ ريبٍ وسخط وهمّ وغم، فامتلأَ محبةً للهِ، وخوفاً منهُ، ورِضاً به، وشُكراً له، وتوكّلاً عليه، وإنابةً إليه، فهو مادةُ جميع المقامات والحامل لها.
يقول الجُنيد: اليقينُ هو استقرار العِلم.
مثل أدعهُ بينَ أيديكم، الإسمنت يُفحص في المعامل بمتانتهِ، هوَ يتحمل قِوى الضغط بشكل كبير جداً، السنتيمتر المكعب من الإسمنت يتحمّل بالمواصفات القياسية الصحيحة خمسمئة كيلو، نصف طن، لو وضعنا نصف طن على سنتيمتر مكعب من الإسمنت لتحملّها قبل أن ينسحق، نصف طن، في المواصفات الوسط مئتا كيلو، أما يُفحص الإسمنت بالشد، تُصب مكعبات من الإسمنت، تُلقط بملاقط من الأعلى، وملاقط من الأسفل، الملقط السفلي ككفة الميزان، يوضع الكيلو يكسر، هناك نوع لا ينكسر إلا على اثنين كيلو، هناك نوع على ثلاثة، على أربعة، على خمسة، تُمتحن قوة تماسك الإسمنت على أيِّ وزنٍ يُكسَر هذا المُكعب، هذا المثل لو طبقناهُ على المؤمنين تجد مؤمناً إيمانهُ وسط، أما على إغراء معيّن، أو على ضغط معين تضعُف هِمتهُ، ضعُفت همته، وانساق مع شهوتهِ، وتخلّى عن طاعتهِ لربهِ.
إذاً هذا المؤمن يقينه ضعيف، كُلما زادَ اليقين زادَ التماسك، فالمؤمن الصادق مهما ألّمت بهِ المِحن، ومهما ضاقت عليه الدُنيا، ومهما تلّقى ضغطاً كبيراً، ومهما تعرّضَ لإغراءٍ شديد، إلهي أنتَ مقصودي ورِضاكَ مطلوبي، كُلما ارتفعَ اليقين ارتفعَ التماسك، وارتفعَ الصمود باللغة التي نستعملها، يصمدُ أمام كلِّ إغراء، وتحتَ أيِّ ضغط، والإنسان أحياناً ينهار لضغطٍ قليل أو لإغراءٍ قليل، فإذا انهارَ إيمانه لضغطٍ أو لإغراء معنى ذلك يجب أن يُعيدَ حساباتهِ كُلها، فإيمانهُ ضعيف، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا؟ قَالَ: أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. ))
[ مجمع الزوائد: خلاصة حكم المحدث : إسناده جيد وفيه سمير بن نهار وثقه ابن حبان: أخرجه أحمد ]
قال: اليقين هو استقرار العِلم الذي لا ينقلب ولا يحول ولا يتغيّر في القلب، وقالَ أبو بكر الورّاق: اليقين مِلاكُ القلب، وبهِ كمالُ الإيمان، وباليقينِ عُرِفَ الله، وبالعقلِ عُقِلَ عن الله.
اليقين على ثلاثة أوجه، ثلاثة أنواع؛ يقين خبر، ويقين دليل، ويقين مشاهدة.
لو فرضنا هناك جدار، قال لكَ إنسان: وراء هذا الجدار نار، هذا الإنسان صادق عندك، هذا يقين خبر، بعد قليل رأيتَ الدخان يتصاعد، لا دُخان بِلا نار، صار عنّدنا دليل، كان معك يقين إخباري، صار معك يقين استدلالي، توجهّتَ نحو الجدار، والتففت وراءَ الجدار، فإذا النار تشتعل، صار معك يقين شهودي، من اليقين الإخباري، إلى اليقين الاستدلالي، إلى اليقين الشهودي.
فاليقين إذاً أنواعٌ ثلاث، يقين خبر، سكون القلب إلى خبر المُخبر وتوثّقهُ به، أي إذا كان المُتكلّم صادقاً، فأنتَ تثِقُ بكلامهِ وتُصدّقهُ، فهذا يقينُ الخبر، فإذا كان الله هو المُتكلّم، خالق الكون، وإذا كانَ هذا الكلامُ قرآناً، وإذا كانَ هذا الكلامُ حديثاً لرسول الله متواتِراً صحيحاً، هذا يقين إخباري، ويكفي المؤمن دليلاً أو دافعاً لتطبيق أمرِ الله أنهُ أمرُ الله، انتهى الأمر، الإنسان إذا بحث عن الحِكمة لا بأس، ليُعلّمَ الناسَ الحِكمة، ولكن إذا أيقنَ أنَّ هذا أمرُ الله، ولو لم يفقه الحِكمة، يكفيهِ دافعاً إلى تطبيق أمر الله عزّ وجل.
المستوى الثاني يقين الدلالة، فإذا جاءت حقيقة مع البُرهانِ عليها ربنا عزّ وجل قال:
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾
قال لك: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي﴾ لكن في آيات أُخرى قال:
﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)﴾
﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)﴾
إذاً ربنا عزّ وجل معَ أنهُ خالقٌ، ومربّ، ومُسيّر، وموجود، وواحد، وكامل، أعطاكَ الأدلة على وجوده، والأدلة على كماله، والأدلة على وحدانيته، فأنتَ في الآيات الكريمة عِندكَ يقين إخباري ويقين استدلالي.
أما الدرجة الثالثة يقينُ المُكاشفة، مرة ثانية: إنسانٌ تثقُ بكلامهِ إلى أقصى الحدود، أخبركَ أنَّ وراء الجدارِ ناراً، هذا يقين إخباري، رأيتَ الدخان يتصاعد، قلتَ: لا دُخانَ بلا نار، يقين استدلالي، توجهّتَ نحو الجدار، ورأيتَ النارَ تشتعل، هذا يقين شهودي، والمؤمن يرتقي من يقينٍ إخباري إلى يقين استدلالي إلى يقين شهودي.
لكن بالمناسبة ما كلُّ مفردات الإيمان يمكن أن تكونَ شهوداً، وما كلُّ مفردات الإيمان يمكن أن تكونَ استدلالاً، بل إنَّ من مفردات الإيمان ما هو إخباري محض، فالحديثُ عن الجنةِ والنار، والجِنِّ والملائكة، والصراط والميزان، والبرزخ والقبر وعذاب القبر، والحديثُ عن الأزل، وعن جمعِ النفوس في الأزل، هذا كلهُ يقين إخباري، ولن يكونَ شهوديّاً ولا استدلالياً، إذاً تبقى في الإيمان مفردات، يبقى اليقينُ بها يقيناً إخباريّاً، لذلك الذي لا يستطيعُ عقلُكَ أن يصلَ إليه يجبُ أن تُصدّقَ بهِ، الذي لا يستطيعُ عقلُكَ أن يصلَ إليه استدلالاً، إذا آمنتَ باللهِ عزّ وجل يقيناً استدلالاً عندئذٍ تؤمن بما أخبركَ اللهُ به تصديقاً، إذاً بالإيمان يوجد إيمان تصديقي وإيمان تحقيقي، بعضُ مفردات الإيمان لا يُمكن أن تؤمنَ بها إلا تصديقاً؛ كالإيمان بالجِنِ مثلاً، أو الإيمان بالملائكة، قال الله عزّ وجل هناك آيات كثيرة عن الملائكة، إذاً أنتَ مؤمن بالملائكة إيمان تصديقي.
الآن إذا ارتفع المؤمن إلى مستوى الإيمان الشهودي، أو يقين المُكاشفة، أو اليقين الشهودي، بحيثُ يصير المُخبرُ به لقلوبهم كالمرئي لعيونهم، إنني أراهم، قال: يا زيد عرفتَ فالزم، إني لكَ ناصحٌ أمين، كيفَ أصبحت؟ أصبحتُ بعرش ربي بارزاً، وكأني بأهلِ الجنة يتنعمون، وبأهل النارِ يتصايحون، أي بلغَ إيمانهُ مرتبة الشهود، قال بعضهم: رأيتُ الجنة والنارَ حقيقةً، قيلَ: وكيف؟ قال: رأيتُهما بعيني رسول الله.
بالمناسبة كلُّ المؤمنين من دون استثناء إيمانهم بالجنة والنار إيمان إخباري، يقين إخباري، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإيمانهُ بالجنة والنار إيمانٌ شهودي، لأنه في الإسراء والمعراج أكرمهُ الله عزّ وجل بأن أطلعهُ على ما سيكون، رأى بأُمّ عينه أهلَ الجنةِ وأهلَ النار، وأحوالَ أهل الجنة وأحوال أهل النار، النبي وحدهُ إذا تكلّمَ عن الجنة وعن النار يتكلّمُ عن مُشاهدة، لذلك إذا ذهبَ إنسان إلى مكان، ورآهُ رأي العين، وأخبركَ عنهُ، تشعر أنهُ يؤثّرُ فيك، أما إذا قرأ عن هذا المكان، وأخبركَ عنهُ، أي ينقل شيئاً من كتاب، يلقيه في أُذُنك، أما لو أنهُ عاشه وتأثّرَ به لكان تأثيرهُ فيكَ أبلغ، لذلك أراد الله عزّ وجل أن يكون النبي وحدهُ تكريماً لهُ، إذا حدّثَ أُمتهُ عن الجنة والنار يُحدّثُهم كحديث المشاهد.
أركان عِلم اليقين قال: قَبولُ ما ظهرَ من الحق، وقَبولُ ما غاب، والوقوف على ما قامَ بالحق، كيف؟ قَبولُ ما ظهرَ من الحق تعالى؛ أوامرهُ ونواهيه وشرعهُ ودينهُ، هذا كُلهُ ظهرَ على لسان نبيهِ صلى الله عليه وسلم، فأنتَ كمؤمن تتلقاهُ باليقين كما قُلنا قبلَ قليل، أي يوجد عندك أوامر، نواهٍ، يوجد عندك سُنن، يوجد عندك مكروهات، يوجد عندك مستحسنات، هذه كُلها جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هناك أشياء غابت عنك، أخبركَ عنها النبي، هذه أيضاً يجب أن تتلقاها كما لو أنها يقينٌ.
فالإيمانُ بالغيب الذي أخبرَ اللهُ به، والإيمان بالجنة والنار، والصراط والميزان، والحسابِ وما قبلها من تشقق السماءِ وانفطارها، وانتثار الكواكب، ونسف الجبال، وطي العالم، وما قبل ذلك من البرزخ ونعيمهِ وعذابهِ، هذه كُلها تقبلها لأنَّ الله أخبرنا بها يقين إخباري، قبول هذا كُلِّهِ يُعدُّ إيماناً وتصديقاً وإيقاناً، هذا هو اليقين، بحيثُ لا يُخالجُ القلب شُبُهةٌ ولا شك ولا نسيانٌ ولا غفلةٌ، فإن لم يهلك يقينُ الإنسان بقي إيمانهُ قوياً، وبقي عملهُ صالحاً.
الآن بعضُ ثِمار اليقين، قالَ: الأُنسُ بالقرآن الكريم، يقينُكَ أنَّ هذا الكلامَ كلامه، وأنَّ الجنة والنارَ مصيرُ البشر، وأنَّ هذا الكونَ خلقهُ لتعرِفهُ، هذا اليقين يحملكَ إذا قرأت القرآن على أن تأنسَ بهِ، مثلاً إذا قُرئ القرآن تجد إنساناً يبكي، وإنساناً لا يُبالي، وقد تجد إنساناً يُعرض، أخي غيّر المحطة مثلاً، لماذا؟ هو اليقين.
ملخص الدرس كلامٌ دقيقٌ جداً؛ إنهُ من ضعف اليقين أن تُرضي الناسَ بسخطِ الله، مقياس دقيق جداً، حينما تؤثر رِضا إنسانٍ ما، ولو كانَ أقربَ الناسِ إليك على طاعتكَ لله فاعلم عِلمَ اليقين أنكَ ضعيفُ اليقين، فاعلم أنكَ لا تعلم، فاعلم أنَّ إيمانكَ ضعيف، وإنهُ من ضعفِ اليقين أن تَحمِدَ الناسَ على فضل الله، إذا الله عزَّ وجل تفضّل عليك بشيء وعزوتهُ إلى الناس، تفضّلَ عليك بشفاء ولدك عزوتهُ إلى الطبيب وحدهُ، أما الإيمان؛ أنَّ الله أكرمني بالشفاء على يدِ هذا الطبيب، فللهِ المِنةُ والفضل، ولهذا الطبيب مني الشكرُ والعِرفان، هذا الإيمان.
إنهُ من ضعف اليقين أن تّذُمَّ الناسَ على ما لم يؤتِكَ الله مع عدم الموافقة، تُزمجر وتضطرب، وتكيل لهُ الكلمات القاسية، الله عزّ وجل منعهُ أن يوافقَ لك، إذا كُنتَ موقِناً بأنهُ لا إلهَ إلا الله فاللهُ عزّ وجل هو الذي ألقى في قلبهِ ألا توافق، إنهُ من ضعف اليقين أن تُرضي الناس بسخط الله، وأن تحمِدهم على فضل الله، وأن تَذُمّهم على ما لم يؤتِكَ الله، إذا عزوتَ الحرمانَ إلى البشر فهذا من ضعف اليقين، وإنَّ الله كما قالَ عليه الصلاة والسلام، فإن رزق الله لا يسوقه إليك حرص حريص، ولا يرده عنك كراهية كاره، وإن الله بعدله وبقسطه جعل الروح والفرح في الرضا واليقين، وجعل الهمّ والحزن في الشك والسخط، كل أنواع الهموم والأحزان مردها الشكُ بوعد الله، والسخط على قضاء الله، الحزن والهم، الآلام النفسية كلها أسبابُها الشك فيما وعدكَ الله به، والسخطُ على قضاء الله، والسعادة النفسية كلها أساسها اليقين والرضا، أيقنتَ بوعد الله ورضيتَ بقضائه.
لذلك الآن نحنُ أمام امتحان صعب، أحياناً الإنسان يقول لكَ: يا أخي اخترعوا شيئاً رائعاً جداً، من دون طبيب تأخذ ورقة فتكشف لكَ إن كان معكَ السكر أو ليسَ معك، ورقة من الصيدلية، كثير يوجد الآن وسائل للفحص الذاتي في البيت، هذا الحديث جميل جداً، يكشف لكَ إيمانك، إذا أردتَ مُشعراً لمستوى إيمانك، تريد تعييراً دقيقاً لمستوى إيمانك، هذا الحديث، لمجرد أن تُرضيَّ الناس بسخط الله فأنتَ لا تعرف الله، والدليل:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾
بقي أحد؟ ﴿آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾ أنواع الأموال؛ بيت، أرض، مزرعة، دكان منقولة، غير منقولة: ﴿وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ أي إذا آثرتَ هذا البيت على طاعة الله، إذا آثرتَ هذه التجارة المُحرّمة التي فيها الشبُهات على طاعة الله عزّ وجل، معنى ذلك أنَّ هذه التجارة أحبّ إليك من الله ورسولهِ، إذاً الطريق إلى الله غير سالك: ﴿فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ .
الملف مدقق